سورة النساء - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكم} الآية؛ خطاب للرجال. وأجمع العلماء على ما تضمنته هذه الآية من ميراث الزوج والزوجة، وأن ميراث الزوجة تنفرد به إن كانت واحدة، ويقسم بينهن إن كن أكثر من واحدة، ولا ينقص عن ميراث الزوج والزوجة وسائر السهام، إلاّ ما نقصه العول على مذهب جمهور العلماء، خلافاً لابن عباس: فإنه لا يقول بالعول فإن قيل: لم كرر قوله: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ}، مع ميراث الزوج وميراث الزوجة، ولم يذكره قبل ذلك إلاّ مرة واحدة في ميراث الأولاد والأبوين، فالجواب: أن الموروث في ميراث الزوج هو الزوجة، والموروث في ميراث الزوجة هو الزوج، وكل واحدة قضية على انفرادها، فلذلك ذكر ذلك مع كل واحدة بخلاف الأولى، فإن الموروث فيها واحد، ذكر حكم ما يرثمنه أولاده وأبواه، وهي قضية واحدة، فلذلك قال فيها: {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ} مرة واحدة {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كلالة} الكلالة هي انقطاع عمود النسب؛ وهو خلو الميت عن ولد ووالد، ويحتمل أن تطلق هنا على الميت الموروث، أو على الورثة، أو على القرابة، أو على المال: فإن كانت على الضمير، في يورث أو تكون كان تامة وتورث في موضع الصفة أو يورث خبر كان، وكلالة حال من الضمير، في يورث أو تكون كان تامة وتورث في موضع الصفة وكلالة حال من الضمير وإن كانت للورثة فهي مصدر في موضع الحال، وإن كانت للقرابة فهي مفعول من أجله، وإن كانت للمال فهي مفعول ليورث، وكل وجه من هذه الوجوه على ان تكون كان تامة، ويورث في موضع الصفة، وأن تكون ناقصة ويورث خبرها {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} المراد هنا: الأخ للأم والأخت للأم بإجماع وقرأ سعد بن أبي وقاص: {وله أخ أو أخت لأمه} وذلك تفسير للمعنى {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس} إذا كان الإخوة للأم اثنين فصاعداً: فلهما الثلث بالسواء بين الذكر والأنثى، لن قوله: شركاء يقتضي التسوية بينهم، ولا خلاف في ذلك {غَيْرَ مُضَآرٍّ} منصوب على الحال، والعامل فيه يوصي ومضار اسم فاعل، قال ابن عباس: الضرار في الوصية من الكبائر، ووجوه المضار كثيرة: منها الوصية لوارث، والوصية بأكثر من الثلث، أو بالثلث فراراً عن وارث محتاج، فإن عُلم أنه قصد بوصيته الإضرار رد ما زاد على الثلث اتفاقاً، واختلف؛ هليريد الثلث على قولين في المذهب، والمشهور أنه ينفذ {وَصِيَّةً مِّنَ الله} مصدر مؤكد لقوله: يوصيكم الله ويجوز أن ينتصب بغير مصدر.


{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)}
{تِلْكَ حُدُودُ الله} إشارة إلى ما تقدم من المواريث وغيرها {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} الآية: تعلق بها المعتزلة في قولهم: إن العصاة من المؤمنين يخلدون في النار، وتأولها الأشعرية على أنها في الكفار {يَأْتِينَ الفاحشة} هي هنا الزنا {مِن نِّسَآئِكُمْ} أو من المسلمات؛ لأن المسلمة تحدّ حدّ الزنا، وأما الكافر أو الكافرة فاختلف، هل يحدّ أو يعاقب؟ {فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ} قيل: إنما جعل شهداء الزنا أربعة؛ تغليظاً على المدعي وستراً على العباد، وقيل: ليكون شاهدان على كل واحد من الزانيين {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت} كانت عقوبة الزنا الإمساك في البيوت، ثم نسخ ذلك بالأذى المذكور بعد هذا، وهو السب والتوبيخ، وقيل: الإمساك للنساء، والأذى للرجال، فلا نسخ بينهما ورجحه ابن عطية بقوله: في الإمساك من نسائكم، وفي الأذى منكم، ثم نسخ الإمساك والأذى بالرجم للمحصن وبالجلد لغير المحصن، واستقر الأمر على ذلك، وأما الجلد فمذكور في سورة النور، وأما الرجم؛ فقد كان في القرآن ثم نسخ لفظه وبقي حكمه، وقد رجم صلى الله عليه وسلم ماعزاً الأسلمي وغيره {فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ} لما أمر بالأذى للزاني أمر بالإعراض عنه إذا تاب، وهو ترك الأذى.


{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)}
{إِنَّمَا التوبة عَلَى الله} أي: إنما يقبل الله توبة من كان على هذه الصفة، وإذا تاب العبد توبة صحيحة بشروطها فيقطع بقبول الله لتوبته عند جمهور العلماء، وقال أبو المعالي: يغلب ذلك على الظن ولا يقطع به {يَعْمَلُونَ السواء بجهالة} أي بسفاهة وقلة تحصيل أداة إلى المعصية، وليس المعنى انه يجعل ان ذلك الفعل يكون معصية، قال أبو العالية: أجمع الصحابة على أن كل معصية فهي بجهالة، سواء كانت عمداً أو جهلاً {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} قيل: قبل المرض والموت. وقيل: قبل السياق، ومعاينة الملائكة، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8